'cookieOptions = {...};' العاصفة البردية .........بقلم القاص سعدي صباح - بيت الإبداع " أثار العابرين للأدب والثقافة" العاصفة البردية .........بقلم القاص سعدي صباح - بيت الإبداع " أثار العابرين للأدب والثقافة"

كتاب


العاصفة البردية .........بقلم القاص سعدي صباح

sebbah_saadi


الرّبيع توارى ينعي الورى !والعصافير أعلنت السّفر، لقالق المدينة أبت عن حراستها ! والأرض بالمناكب عطشى.. كالحة تئن وقد جفاها الفيء والمطر! .. شجيرات الشّيح تحتضر بين الرّوابي والمدينة على مرمى حجر ،الأحياء تنذر بالصّمت الرّهيب وتآكل في مدينتى الاسمنت والحجر !..تآكلت الأشجار في الممرّات وشحت بعطرهامواكيب الزّهر !..ماتت الكاميليا ومات مسك الّليل معها ! ، واللّبلاب المتسلّق إرتدى لون الشّفق..توشّحت المدينة بوشاح الورس والأسى !.. الحبق العطر تبرّأمن عطره ومات ككلّ الخزامى خلف الشّبابيك !..والنّعناع والأقحوان بحدائق مدينتي صوّحتها ريح الجنوب!..وعلى شواطئها إنحنت شجيرات الحرمل وبكت بحسرة شقائق النّعمان !.. هبّت رياح شمالية حارة ..رحلت الشّحارير عن وكناتها والسلوى تطايرها حبلى بحزنها ! ..رحلت هناك حيث العشب والغدير ...حيث الخرير وحدائق القمح والشّعير ! ..حيث العرائش حيث الظّل والعبير ! ..شوارع تبدوخاوية رهيبة وأزقة باكية متحسرة وقد هجرتها النّسمات العليلات .. كراسي الحديقة العامة عفرتها الأتربة.. لاحت سمات الخطيئة والرذيلة لذوي البصائر الصائبة !، .. أسراب الحمام الأزرق طارت عبر التلال وقد أهزلها البقاء .. نعقت الغربان هناك بأعالي المدينة ! .. نثرت على القرميد الأحمر ذاك السواد ! .. وهاهو البوم يعتلي الجلجلة ينعي مدينتي هناك من على رموس ا لمقبرة ! ... مدينتي التي صارت جسدا بلا روح ، بل بروح شريرة ! ... الحرارة مجنّحة.. وقد أهزلت ما تبقى من بلابل وزهور !هجهجت شجيرات الدّفلة التي أتى بها قائد مدينتي ..."نعنعت على البعلي" !.. لا نكهة للتفّاح في مدينتي والتّين فيه مرارة القطران والزيتون أيضا والكرز له طعم الحنظل ! ، .. البن في البيوت وفي المقاهي سيىء المذاق ، وأشباه الرّجال يحلمون بملامح الرّبيع والرّبيع في مدينتي توارى إلى حين !، لا قمر ولا سمر في ليالي مدينتي ! ، والخطاطيف التي ألفناها تنكرت بغتة للمكان ! .. حلت أسراب الجراد،يطاردها البحر والموج صوب المدينة عنوة في أناس أسارى النّرجسية والسّادية ... جبلوا على النّميمة والكراهية والتطرّف ! ..الدّكاكين قبور أزلية وسوق الخضر غصّت بالمساكين ! سيّارات المدينة فاخرة لكونها من البركة ! ، منازل هوت وغصّت بعناكب غريبة !، مناكب العمارات حفّت بخنافس دميّة تشمئزّ لها النّفوس !، أشباح فئران داميّة لاعهد لها بالمدنية .. توزّع سمومها ! .. السّنابل على جنبات الطريق إنحنت سيقانها وعادت زوابع السّنين العجاف تلملم الشوالق الملطّخة .. تهزّها وترمي بها عبر الأرجاء !... الكلاب المسعورة والقطط الموبوءة التائهة شوّهت وجه المدينة ! .. النّاس حيارى سكارى وفي خمول ، والموت والخراب والرتابة ثلاثي السّاعة ! عندما رحل الصّباح رحل معه أحد أعيان المدينة ، وهرع النّاس حيارى سكارى لسرادق العزى.. يؤاسون ببرودة أهل المناحة ! هول الموت تلاشى في مدينتي .. لا مؤساة ولا خشوع ولا تهامس إجلالا للجثّة المسافرة .. الأبواب موصدة.. فلا بكاء ولا عويل ! ،... بيوت الله في مدينتي غصّت برجال من حقد وضغينة !..الصّالحون فيها أموات يرزقون ! ،أشباح الفراغ تناشد بنسج الشائعات بالبراهين الواهية ..حمامات المدينة حادت عن أصلها ! ..تحولت بؤرة وشائج بين فاجروزانية !الوقاحة والازدواجية تتناسل في مدينتي، و بالأمس صلّى النّاس أفواجا رغبة في المطر... الحمد لله أتت بنتيجة !هاهي السّحب في الفضاء الرّحب تركض ركض الهاربين، والمطر ملّ البقاء في الأعالي ... رّبما يتهادى ليغسل المدينة من الدّنس والنّجاسة ويطهر قلوب الغيرة والحسد ! .. العجائز خارج البيوت.. النّساء في البالكونات يرقبن قدوم المطر ! ، وكركر الأطفال في نشوة عارمة "يا النّو صبي صبي ، نعطيك الحنة والزيت باش التداوي مول البيت" أحدهم في حيرة من أمره.. النّاس في المقبرة والمطر غزيز ! ، سبّح الرّعدلله جل ّجلاله وطيور الرّخ تتعانق في دياجر الغمام !...قطرات فاترة و بداية الغيث مطر ...أه عاصفة قوية حبلى بحبّات البرد ! ..أكبربردية سقطت ومالت بعساكرها البيضاءصوب المقبرة !...ريح صرصرتماشيه كتل بردية بحجم بيض القطا ! ...إنها علامات الغضب.. عواصف رعدية أخرى أرهبت الموج الجنائزي في المقبرة !، وعلى الأفق ذرى من الغيوم ..حبّات البرد شرسة حجرية تراشق الورى ! ..حجريلوي أعناق الشّجرويرمي الموج الجنائزي في المقبرة، كقوم عاد التي أرسل الله عليهم الرّيح الصرصر ."فترى

"القوم فيها صرعى كأنّهم أعجاز نخل خاوية " إنها حجارة أعدتها أنامل الرّحمان !، هرعت الأمواج البشرية واحتمت بسياج المقبرة ! ...الحجر يقذف بقوة ودون شفقة..دكتهم دكا أه سقط احدهم مغشيا وأخر مرتجفا كالطّائرالمذبوح !..شيخ طاعن سقط مغشيا يترنّح وقد أصيب بالدّوار !..هربوا مذعورين تصفعهم مخالب الحجر ! (فسبحان الله الذي يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجمعه ركاما فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء)!..جاءت الحماية نقلت بعض الصرعى ..عادوا الى المدينة مهزومين ..هاربين ..واجفين تاركين الجثّة تقتلها عساكر البارئ البردية من جديد !...شقيقها يخشى عليها من الكلاب الضّالة والدّامنة على لحم البشر ! بعد أن تهدأ العاصفة .دريش الحي يتمتم : الصّبر الجميل ..لا تخافوا هي ضيفة الرّحمان غدا نلحّد بقاياها حين هدوء العاصفة البردية التي أكّدت ذنب المدينة !وتلوي الى بقعة أخرى أكثر جور ! وستبزغ جوناء الصّبح من جديد.

ليست هناك تعليقات