'cookieOptions = {...};' هاملت (لوليم شكسبير)......مصطفى شويرف بمناسبة اليوم العالمي للمسرح - بيت الإبداع " أثار العابرين للأدب والثقافة" هاملت (لوليم شكسبير)......مصطفى شويرف بمناسبة اليوم العالمي للمسرح - بيت الإبداع " أثار العابرين للأدب والثقافة"

كتاب


هاملت (لوليم شكسبير)......مصطفى شويرف بمناسبة اليوم العالمي للمسرح

تعد مسرحية هاملت قمة ما وصل إليه شكسبير من التراجيديا. فمن قائل إنها تعبير عن حلقة سوداء في حياة شكسبير الزوجية، ومن قائل إنها ليست إلا قصة "أوريست" المشهورة في أدب اليونان وقد انتقلت إلى شعوب الشمال، ومن قائل إنها لغز من الألغاز تحار فيه العقول.فتى قتل عمه أباه وتزوج أمّه، فانتقم الفتى لأبيه، فما اللغز في ذلك؟ اللغز في شخصية هاملت نفسه الذي يخاطب الأشباح والأرواح، فلا نعلم أيراها حقا أم يستمع إلى خياله الهاجس، ويعزم فيكون آية في العزم ثم ينهار فيعدل عن القتل لأتفه الأسباب، ويتظاهر بالجنون فلا نعلم أين ينتهي التظاهر وأين يبدأ الجنون.
نحن الآن في قصر الملك كلوديوس ملك الدنمارك، ويأتي اثنان من الفتيان هما هوارشيو صديق الأمير هاملت، ولي عهد البلاد. وزميله في الدراسة بجامعة ويتنبرج، ومارسيولس وهو ضابط من ضباط القصر درس أيضا مع الأمير، وقد عاد هوارشيو من ويتنبرج ليقوم بواجب العزاء أيضا نحو صديقه الحميم هاملت في موت أبيه الملك هاملت الكبير الذي قضى نحبه منذ شهر أو يزيد قليلا.
ويعرف هوارشيو من برناردو ومارسيلوس أنهما قد رأيا في الليلة السابقة بعد منتصف الليل شيئا عجبا. ففيما هما قائمان بحراسة القصر إذا بشبح يظهر على الشرفة مهيب المظهر، من رآه قال إنه صورة الملك الراحل هاملت الكبير، وفيما هم يتحدثون في ذلك تدق الساعة الواحدة، ويدخل عليهم ذلك الشبح فيتجه ثلاثتهم إليه في اضطراب عظيم، ثم يتشجع هوارشيو ويتقدم منه سائلا إياه عمن يكون. ولكن الشبح يزور عنه وينصرف من حيث جاء.
ويعلم الثلاثة أن الغيب يخبئ للبلاد غوامض الأمور، فهذا الشبح الملك الراحل يتجول في هزيع الليل، وهذا أخوه كلوديوس ملك البلاد الجديد يعد العدة منذ ارتقى العرش للحرب ويسخر رعاياه الليل والنهار في صب المدافع ويشتري السلاح من كل سوق أجنبي ويعبئ كل ما تصل إليه يده من سفن.
أما هوارشيو فيعلم أن هناك ثأرا قديما بين النرويج والدنمارك، فملك الدنمارك الراحل قد تحدى ملك النرويج فورتنبراس إلى المبارزة وقتله واستولى على نصف ملكه حسب قوانين الفروسية وتقاليدها. وهوراشيو يعلم أن فورتنيبراس الفتى الغضوب قد بدأ يجهز في النرويج جيشا ليثأر لأبيه القتيل. فلا شك أن الحرب على الأبواب ولاشك أن لكل هذه الخوارق معنى يعرفه القدر.
ويعود الشبح بعد حين باسطا ذراعيه فيهتف به هوراشيو قائلا: لسوف أعترض طريقه، ولو أجهز علي. قف أيها الطيف، إن كان لك صوت أو كنت تسمع كلاما فخاطبني، إن كان هناك صالح أعمله يريح فؤادك وتكرم به نفسي فحدثني فيه، ولو كنت تعرف ما يكنه القدر لبلادك من شرور أن نعلم بها فنتقيها ونسلم منها فتكلم.
وهنا يصيح الديك، مؤذنا باقتراب الفجر، فينصرف الشبح وينصرف هوراشيو ومارسيلوس لإبلاغ الأمير هاملت بنبأ هذا الشبح العجيب.
وفي بلاط الملك كلوديوس، نرى رجال الحاشية وقد اجتمعوا ومن بينهم رئيس الديوان، بولينوس العجوز الذي اختلطت فيه حنكة التجارب بحماقة الشيخوخة وولده لايرتيس الذي جاء يستأذن الملك كلوديوس في العودة إلى فرنسا ليتم فيها علومه فيأذن الملك له في الرحيل.
قبل أن يرحل لايرتيس يحذر أخته الجميلة أوفيليا من الإصغاء إلى هاملت أو الاستماع إلى نجواه، فهاملت مدله بحب أوفيليا، وهو يعرب لها عما يكنه لها من غرام، فتستجيب أوفيليا لنداء هواه، ولكن لايريتس يخشى مغبة هذا الغرام، فهاملت أمير البلاد وولي عهدها، فهو إذن ملك لدولته وأمته، وهو لا يملك أن يتزوج من أراد ومتى أراد لأن دمه الملكي يحول دون ذلك. وشرعة الملوك ألا يتزوجوا من يحبون بل أن يحبوا من يتزوجون. ولذا فإن لايتريس قبل رحيله يحذر أوفيليا من عواقب هذا الغرام، وينهي الوزير بولونيوس ابنته أوفيليا عن استقبال الأمير هاملت والاستماع إلى نجواه. ويوصيها بأن ترفض كل ما يقدمه لها من هدايا المحبين حرصا على شرفها وسمعتها فتمتثل أوفيليا لأمره.
وفي وسط هذا الجمع يقف الأمير هاملت حزينا إلى جوار عمه الملك كلوديوس وأمه الملكة جرترود. ويعاتب كلوديوس هاملت على إسرافه في الحزن، إسراف لا يتفق مع الطبيعة ولا مع المنطق ولا مع العقل الرشيد. إنه الآن ولي عهد المملكة. وكلوديوس يؤثر له أن يبقى في البلاط ، فلا يعود إلى الجامعة. وأن ينفض عنه هذه الأحزان التي تسمم عليه الحياة. وتشترك جرترود مع كلوديوس في هذا الرجاء، أما البقاء في القصر فهو رجاء يرضخ له هاملت على مضض.
نعم، إن سحابة ثقيلة سوداء قد غدت تخيم على عقله وأصبحت الحياة عنده جحيما لا يطاق، فليت الأمر وقف عند موت أبيه، إذن لتعلم الصبر ونشد النسيان، ولكن عمه كلوديوس قد تزوج أمه جرترود، ولما تجف الدموع على الملك الراحل أو تنقضي أيام الحداد، فإذا أضاحي الميت وقرابينه تصبح ذبائح العرس وأطايب الزفاف، وهكذا ارتقى كلوديوس عرش أخيه بعد أن اغتصبه اغتصابا.
وما أن يخلو هاملت إلى نفسه حتى يستبد به الحزن وتتجمع في رأسه الأفكار السوداء، فيفكر في الانتحار ويصرخ قائلا:
هاملت: ليت هذا الجسد الصلد يذوب فيستحيل إلى قطر الندى! ليت الحي القيوم لم يحرم بناموسه قتل النفس يا إلهي!. يا إلهي! ما أضنى هذه الحياة في عيني، وما أشدها ابتذالا وتفاهة، وما أبخسها جزاء! تبا لها ثم تبا! إنها لحديقة مسمومة الأعشاب نبتها من بذرتها، فليس فيها إلا كل ما هو كث في الطبيعة غليظ.
إنه يذكر كيف خرجت أمه تنوح على ابيه الراحل ترسل دمعها مدرارا، ولم ينقض على موته شهر حتى تزوجت عمه هذا الخائن الغاصب، فيا له من زواج آثم.
ولكن ماذا يستطيع هاملت أن يفعل وكلوديوس هو سيد البلاد؟
ويقبل هوراشيو ومارسيلوس على هاملت ويخبرانه بما كان من أمر شبح أبيه، فإذا ما انتصف الليل قصد ثلاثتهم إلى شرفة القصر حيث ينتظرون الشبح. وما أن تدق الساعة الواحدة حتى يتجلى لهم الشبح، فيضطرب هاملت أيما اضطراب، فالذي يراه هو شبح أبيه متشحا بزيه، مدججا بسلاحه، وهو لا يدري إن كان ما ترى عيناه روحا طاهرة جاءت لتناجيه أم شيطانا خبيثا ملعونا جاء إليه ليجره إلى دماره.
ويومئ الشبح لهاملت أن يتبعه إلى أقصى المكان، فيمضي هاملت وراءه كالمسحور، ويخشى عليه هوارشيو ومارسيلوس من فتنة الشبح فيمسكان به ولكن هاملت يتخلص من قبضتهما وهو في هياج شديد ويندفع وراء طيف أبيه.
وحين يختلي الشبح بهاملت يقص عليه قصة موته الفاجع، إنهم أذاعوا في البلاد أن الملك الكبير كان ينام ذات يوم كعادته بعد الظهيرة في حديقة قصره فعضه ثعبان قتله لوهلته، أما الحقيقة فهي أن الثعبان الذي قتله لم يكن سوى أخوه كلوديوس، الذي سعى إليه وهو في نومه وسكب في أذنه قطرات من السم، جمد بها الدم في عروقه فقضى نحبه. وأغوى زوجته جرترود بمعسول الكلام حتى رضيت به زوجا، وهكذا سلب أخوه زوجه وعرشه بعد أن سلبه الحياة.
ولم يبق إلا أن ينتقم الأمير هاملت من عمه الغاضب إن كانت بقلبه ذرة من الحب لأبيه والوفاء لذكراه. ولن يهدأ الشبح في قبره حتى ينال الجاني قصاصه، ولكن الشبح يحذر هاملت من أن يمس أمه بسوء، فقتل الأمهات يلوث العقل والقلب، ومن الخير أن يترك هاملت أمه لنقمة السماء ولعذاب الضمير.
وهكذا يترك الشبح هاملت بعد أن أطلعه على السر الرهيب. ويلحق هوراشيو ومارسيلوس بهاملت فيجدانه فيما يشبه الهذيان مهددا متوعدا. وحين يهم هاملت بإبلاغهما ما جرى بينه وبين الشبح يعود الشبح ويأمر ثلاثتهم أن يقسموا بسيف هاملت ألا يبوحوا بشيء مما تتجلى لهم في تلك الليلة ، فيقسموا على ذلك وبهذا ينصرف الشبح إلى مستقر له.
أما هاملت فيعزم على اتباع خطة يبلغ بها هدفه، وهي أن يتظاهر بالجنون حتى يصرف أنظار كلوديوس عما يدبره له من أمور. وهو يطلب إلى هوراشيو ومارسيلوس أن يلزما الصمت التام مهما رأيا من غرابة مسلكه أو من شططه في الكلام.
ويظهر هاملت من غرابة الأطوار مايلفت نظر كل من في البلاط، وعلى رأسهم الملك والملكة، ويحسبون أن به مسا من الجنون أما كلوديوس فهو لا يقنع بقول جرترود أن ما صار إليه هاملت من ضيق أسود بالحياة مرده إلى موت أبيه وإلى زواجهما الباكر، وهو لهذا يدعو إلى بلاطه اثنين من الفتيان من رفاق هاملت هما روزنكرانتز وجيلدسترن ، ليسريا عنه في الظاهر وليراقبا أحواله ويستكنها علته في حقيقة الأمر.
أما العجوز بولونيوس فله رأى في اضطراب عقل الأمير، وهو يقول إن جنون هاملت من غرامه بأوفيليا، فهي الآن تصده عنها، فلا يزيده الصد إلا إلحاحا في حبها، كما تشهد بذلك رسائل غرامه التي يقرأ بولونيوس على الملك والملكة واحدة منها، وكما شهد بذلك مسلكه معها، فهو قد اقتحم عليها ذات يوم غرفتها شاحب الوجه مهوش الشعر مفكوك الصدر مضطرب الهيئة وأمسك بمعصمها وظل يقرأ صفحة وجهها كأنه يلتمس فيها شيئا، فإذا ما فرغ من ذلك أخلى سبيلها وانصرف عنها كالسائر في المنام، إن مولاه الأمير هاملت قد غدا يلقاه في أبهاء القصر فلا يعرفه. وكل هذه أدلة على أن الصبابة قد أودت بعقله، والرأى عنده أن يرتب بين هاملت وأوفيليا لقاء، ويختفى الجميع وراء ستار ليستمعوا إلى ما يدور بينهما من حديث.
وحين يلقى هاملت رفيقيه روزنكرانتز وجيلدنسترن يكشف للتو واللحظة أنهما قد قدما بدعوة من كلوديوس للتجسس عليه، وهما قد جاءا بفرقة من فرق التمثيل لتسلية البلاط ولإزاحة الكآبة عن نفس الأمير. ويجد هاملت في قدوم الممثلين فرصة تعينه على تدبير شيء أضمره، وهذا الشيء هو أن يعرض الممثلون أمام عمه وأمه وبلاط القصر تمثيلية تسمى "قتل جوانزانجو" موضوعها شبيه بما جرى في القصر، ففيها أخ يقتل أخاه ليستولي على عرشه وعلى زوجه، وبغية هاملت من ذلك أن يرى وقع هذه التمثيلية على كلوديوس وجرترود، فلسوف يصيبهما الذعر حين يريا جريمتهما تمثل تحت بصرهما. فيفتضح أمرهما لكل من في البلاط. وبهذا يجد هاملت الدليل المادي على جريمة هذين الشقيين. ويتفق هاملت مع الممثلين على أن يضيف إلى هذه التمثيلية بضعة أبيات من إنشائه يحشرونها في الرواية حشرا، ليقرب مغزاها إلى الأذهان.
ويجتمع كلوديوس وجرترود وبولونيوس العجوز، وقد أعدوا أوفيليا لتستقبل هاملت، وتستدرجه للكلام عن سبب كآبته واضطراب أقواله وأفعاله. وما أن يقترب هاملت حتى يتوارى الجميع وراء الستار. وتبقى أوفيليا تتظاهر بالقراءة كما نصحها أبوها، ويدخل هاملت الغرفة ويخال نفسه وحيدا، فيسترسل في أفكاره السوداء وتعاوده خواطر الانتحار فيقول مخاطبا نفسه: هاملت: أنطلب الحياة؟ أم نطلب الموت؟ هذه هي المسألة. ترى أيّ السبيلين أنبل قصدا؟ أن نحتمل ضربات القدر الغاشم وسهامه، أو أن نشرع السلاح على الرزايا الحاشدة، وبالصراع نضع لها حدا؟ وبالنوم نقضي على الضنى ونحسم آلاف الخطوب وهي ميراثنا من الطبيعة في وجودنا الجسدي، إنه التمام الذي نصبو إليه بجميع جوارحنا، نموت، ننام- أجل، ننام وربما زارتنا الأحلام، نعم هذه هي المشكلة.
ويسترسل هاملت في أفكاره المظلمة هذه حتى تقطعها عليه تحية أوفيليا ويكون لقاء غريب، فأوفيليا تريد أن ترد إليه ما أخذت منه من تذكار الغرام، وهو ينكر أنه أهداها شيئا، ويعنف هاملت في حديثه معها، فلقد أحبها في يوم من الأيام. ولكن ذلك كان قبل أن يفهم حقيقة المرأة. إنه تعلم هذا الدرس من أمه التي تزوجت عمه ولما تجف دموعها. وليس أمام أوفيليا إلا طريق واحد، هو الطريق إلى الدير.
وتستمع له أوفيليا في ألم عميق. وما تخلو لنفسها حتى تتحسر على هذا العقل الشاهق الذي انهار. لقد كانت لـ هاملت آداب النبيل وسيف الفارس ولسان العالم الحكيم. لقد كان معقد أمل المملكة وزهرة شبابها ومرآة المدنية فيها. ولكن كل ذلك قد مضى وانقضى.
أما كلوديوس الذي أنصت مع جرترود وبولنيوس لكل كلمة فاه بها هاملت، فقد أدرك أن جنون هاملت لم ينبع من حبه لأوفيليا. بل من عقدة أخرى أعمق وأشد فتكا.
وهكذا استقر رأيه على إقصائه عن البلاد إلى انجلترا في صحبة رفيقه روزنكرانتز وجيلدنسترن ليسترد ما تأخر على ملكها من جزية لبلاده، زاعما أن الرحلة ستخفف عن الأمير كربه.
وفي ذات المساء يجتمع البلاط في القصر لمشاهدة التمثيلية التي تدّقمها الفرقة، وإذا بـ هاملت على غير عادته، يطفح بهجة ومرحا، ولكنها بهجة مسمومة، ومرح مرير. فهو يقول لعمه إن الرواية التي ستعرض بعد دقائق اسمها "فخ الفئران" ويقول لأمّه إن مقدمة الرواية أقصر من حب امرأة. وهو يتابع الممثلين أثناء الأداء، ويعلق على أقوالهم في فكاهة لاذعة، كل ذلك وكلوديوس وجرترود يزداد اضطرابها فما أن يبلغ الممثلون مشهد القتل ويسعى القاتل إلى الملك النائم في الحديقة، فيصب السم في أذنه، حتى ينهض كلوديوس مرتجفا، قائلا: أطفئوا الأنوار، أسدلوا الستار، أخلوا لي الطريق...
وينصرف من بعده جرترود وبولونيوس والجميع من القاعة، فلا يبقى بها إلا هاملت وصديقه الوفي هوراشيو. لقد بلغ هاملت مأربه ورمى بسهم أصمى الملك فهو مغتبط بهذا أشد الاغتباط.
ويأتي روزنكرانتز وجيلدنسترد ليبلّغا هاملت أن الملك حانق حنقا لا مزيدا عليه، وأن الملكة حزينة أشد الحزن وهي ترغب في مثول هاملت في حضرتها.
أما الملك فيعود بعد حين ليرتب أمر سفر هاملت إلى انجلترا مع رزونكرانتز وجيلدنسترن. إنه يدرك الآن أن هاملت لم يعد خطرا على نفسه فحسب، بل غدا خطرا على العرش ومن عليه أيضا، ولابد من نفيه من البلاد فورا.
ولكن كل هذه الأحداث العاصفة بالقصر، تلهب ضمير كلوديوس فيتعذب عذابا أليما. إن قتل الأخ ليس وزرا هينا يفارقه الآثم ثم ينساه، بل جرم فظيع يحمل همه القلب بالليل وبالنهار. وكلوديوس مؤرق في ليله، لم يعد يحتمل. وها هو ذا يجثو على ركبتيه مستغفرا مبتهلا إلى الله أن يصفح عنه.
ويراه هاملت على هذه الحال، فيدنو منه ليقتله مغتنما هذه الفرصة الكبرى، ولكنه لا يلبث أن يعدل عن قتله. فلئن قتل هاملت عمه وهو متوجه إلى الله لصعدت روحه إلى السماء. إن هذا ليس انتقاما من قاتل أبيه بل أجرا وثوابا لهذا السفاح الذي فتك بأبيه وهو ملطخ بذنوبه، فأرسل روحه إلى قاع الجحيم لتصلى بناره الآكلة، كلا لن يقتل هاملت كلوديوس إلا وهو ملوث بالآثام.
وهكذا يمضي هاملت إلى غرفة أمه التي أرسلت في طلبه، ويكون بولونيوس في حضرتها يرجوها أن تعنف ولدها وتبين له ما ينتظره من شرور، إن هو دأب على فعاله، وما أن يدنو هاملت حتى يختفي بولونيوس وراء ستار.
ولا ينتظر هاملت أمه حتى تعنفه، بل يندفع هو إلى تعنيفها ويتطاول عليها، فتقول جرترود:"أنسيتني يا هاملت؟" فيجيبها هاملت قائلا:"لا، لا أنت الملكة، أنت زوجة أخ زوجك. أنت أمي بالرغم عني". وتخشى الملكة شر ولدها حين يقول إنه لن يأذن لها بحركة حتى يقيم أمامها مرآة ترى فيها نفسها، وتحسب أنه قد جاء للفتك بها. ويسمع بولونيوس ما بينهما فيستغيث طالبا النجدة. ويحسب هاملت أن هذا المختفي وراء الستار هو غايته كلوديوس، فيجرد سيفه ويطعن به الستار صائحا:"جرذ، جرذ" فيسقط بولونيوس مجندلا يتخبط في دمائه. ويعود هاملت إلى أمه يعيرها بقتل أبيه، ويذكرها بعظمته وبشمائله التي لا تحصى، فيدرك أنها لم تكن تعلم أن أباه مات قتيلا، إنه كلوديوس وحده الذي رتب كل شيء وإنها لنادمة على كل ما كان.
وهنا يظهر الشبح من جديد فيراه هاملت ولا تراه جرترود، ويقول الشبح أنه جاء ليذكر هاملت بواجبه الذي ضيعه التسويف وليشحذ عزيمته، وتحسب جرترود إنه في غيبوبة من الجنون يخاطب الفضاء الفارغ، ليجيبها هاملت قائلا إنها لاترى ما يرى لأن روحها قد سودتها الخطيئة.
وتسأل جرترود ولدها: ماذا يكون العمل، أما هو فلا يرى لها أملا إلا في التوبة ولا ينصرف عنها حتى تعده بأن تهجر فراش عمه الفاسق، وأن تكتم عن كلوديوس كل ما عرفت وسمعت حرصا على حياتها. وهكذا يترك هاملت أمه ليتهيأ للرحيل إلى انجلترا تنفيذا لمشئية الملك. أما الانتقام فله إليه عودة وفي أجل قريب.
ويبحر هاملت إلى إنجلترا بأمر الملك وفي معيته رفيقاه، ومعهما رسالة مختومة إلى ملك انجلترا يرجوه فيها كلوديوس أن يفتك بهاملت فور وصوله.
وفي بلاط القصر تتعاقب الأحداث والمآسي بعد موت الوزير العجوز بولونيوس فابنته أوفيليا يختل ميزان عقلها من هول الصدمة بعد أن قتل حبيبها أباها، تذهب تتجول في القصر تهذي بجميل الأغاني التي تندب فيها أباها الراحل وتنشد شعرا غير مفهوم عن لقاء العشاق وعن فراقهم، ثم ينتهي بها الأمر أن تنتحر غرقا.
وأما أخوها لايرتيس فيعود من باريس إذ بلغه نبأ قتل أبيه وهو في هياج شديد، ويطالب بالثأر بل وينادي بعزل كلوديوس والجلوس على عرشه. فلما يعرف أن هاملت هو قاتل أبيه يرتد إلى ولائه للملك.
ولكن غيبة هاملت لا تطول، فحين تقلع به السفينة تراوده الشكوك في حقيقة بعثته إلى إنجلترا فيسرق من روزنكرانتز وجيلدنسترن الرسالة المختومة، ومنها يعلم أنها صك إعدامه، فيحتفظ بها لنفسه ويكتب سواها موصيا ملك إنجلترا خيرا برفيقيه، ويبصم الرسالة الجديدة بخاتم أبيه ويضعها مكان الرسالة الأولى.
وكأنما القدر يرسم له الطريق، تهاجم سفينته جماعة من القرصان ويقع وحده في أسرهم، ويرده القرصان إلى شاطئ بلاده بعد أن يجردوه من كل ثمين.
وهكذا يعود هاملت إلى القصر، ويروي على الملك مغامرته الغريبة فيخفي منها طرفا هو قصة الرسالة، ويذكر طرفا هو ما لقيه على أيدي القرصان.
وتكون عودة هاملت بداية النهاية، فحين يعلم كلوديوس بعودته، يدبّر خطة جديدة للقضاء عليه، ويجد في لايرتيس الحاقد على الأمير لقتل أبيه وانتحار أخته خير أداة ينفذ بها خطته.
إن لايرتيس قد تعلم فن السيف والمبارزة، وقد جرت بحنكته الألسنة. والرأي عند كلوديوس أن ينظم بين لايرتيس وهاملت مبارزة في القصر تشرب فيها الأنخاب احتفاء بعودة الأمير ولي عهد المملكة، وأن يراهن الملك على تفوق الأمير تحية له، ولكنه يتفق مع لايرتيس على أن يزوده سيفا مسموم الطرف، إذا طعن به هاملت صرعه في الحال. وماذا يكون الأمر لو أن لايرتيس عجز عن إصابة هاملت؟ إن الملك مستعد كذلك بكأسه المسموم يسقي به الأمير أثناء المبارزة حين يحل به التعب.
ويكون اليوم المشهود، ويجتمع كل من في القصر إلى خوان يتصدره كلوديوس وجرترود، وقبل أن تبدأ المبارزة يطلب هاملت إلى لايرتيس الصفح عنه لقتل أبيه معتذرا بنوبات جنونه.
وتبدأ المبارزة ولا ينال لايترتيس من هاملت شيئا. أما هاملت فيصيب لايتريس ثلاث إصابات ثم يحل به التعب ويتصبب عرقا. ويناوله كلوديوس الكأس المسمومة ليرتوي، ولكنه يضعها جانبا ويؤثر المضى في المبارزة، وتتناول جرترود كأس ولدها وتشرب منها نخب تفوقه فيسري السم في جسدها، ويصيب لايتريس هاملت بسيفه المسوم إصابة واحدة ولكنها كافية، ويلتحم الرجلان وفي هذا الالتحام يتبادلان السيوف ويطعن هاملت لايتريس بالسيف المسموم.
وتسقط جرترود جثة هامدة بعد أن تعلن أن الكأس التي شربت منها كانت مسمومة، ويسقط لايتريس جثة هامدة بعد أن يعترف لهاملت بأن سيفه كان مسموما بتدبير من كلوديوس. وبعد أن يتصافى الرجلان وهما على شفا الموت، يجمع هاملت كل ما تبقى فيه من قوة وينقض على الملك الخائن ويطعنه بسيفه المسموم.
وهكذا يسقط البيت الملكي، ولا يبقى إلا هوراشيو الذي يبادر إلى الكأس المسمومة لعل فيها صبابة تجمعه بمولاه الأمير رفيق صباه وشبابه. ولكن هاملت يستحلفه قبل موته أن يكابد الحياة من بعده ليروي مأساته ولينصف الموتى من الأحياء.
وهنا نرى الفتى فورتبراس ولد فورتنبراس الكبير ملك النرويج، الذي صرعه هاملت الأب، وقد عاد برجاله من بعض فتوحاته مظفرا، ليجد أن هاملت قد أوصى له بالعرش من بعده قبيل وفاته، وهكذا يسترد الولد ما فقده أبوه.
ويأمر فوتنبراس بأن يحمل جنود أربعة، جثمان الأمير الصريع، شأن الأبطال في ذلك الزمان، وأن يشيع إلى مثواه الأخير في أبهة الملك، فهو صاحب العرش الأصيل ولو قد ارتقاه لكان ملكا.


----- مصطفى شويرف / 27 مارس 2017 في الساعة 11:15 بمناسبة اليوم العالمي للمسرح

ليست هناك تعليقات