'cookieOptions = {...};' من يدفع للزمار "جائزة نوبل"؟ أيمن قاسم الرفاعي - بيت الإبداع " أثار العابرين للأدب والثقافة" من يدفع للزمار "جائزة نوبل"؟ أيمن قاسم الرفاعي - بيت الإبداع " أثار العابرين للأدب والثقافة"

كتاب


من يدفع للزمار "جائزة نوبل"؟ أيمن قاسم الرفاعي

"إنني أَغفِر لنوبل أنه اختَرع الديناميت لكنني لا أغفر له أنه اخترع جائزة نوبل؟" بهذا القول الجريء رفَض الأديب الأيرلندي الشهير (جورج برنارد شو) جائزة نوبل للآداب حين تمَّ الإعلان عن فوزه بها عام 1926م، ومنذ إطلاق هذه الجائزة عام 1901م، وهي حديث الشارع العالَمي، العِلمي منه والثقافي، وحتى السياسي فيما بعد، وسواء أكان ذلك من حيث حالةُ الترقُّب التي تَسبِق الإعلان عن الجائزة؛ لمعرفة العباقِرة والمُبدِعين المرشَّحين لها، أو أولئك الذين سيَنالونها، وطبيعة الأعمال التي خوَّلتْهم للحصول عليها، أم مِن حيث الغموض والتشكيك الذي يَعتريها بعد إعلانها بشأن أسباب المِنَح غير الحياديَّة والمُسيَّسة في كثير من الأحيان؛ وَفق رأي شَريحة واسِعة مِن المُفكِّرين وأصحاب الرأي في العالم.

وبدأت القصة عندما أراد الصِّناعي السويدي (ألفريد نوبل) أن يُكفِّر عن الشعور السيِّئ الذي حمَله في ضميره نتيجة اختراعه للديناميت واتِّجاره به، والذي بدل أن يُستخدم في خدمة الإنسانية أزهق أرواح الملايين من بني البشر، فرصَد في وصيته عام 1895م جائزةً أوقَف لها ثروته؛ لأجْل تحفيز ومكافأة أصحاب الفكْر الإنسانيِّ للعمل فيما هو خير للإنسان، ورُقيٌّ بالإنسانية، لكنَّه بجائزته هذه صار في نظر البعض أكثر شرًّا منه يوم اخترَع الديناميت؛ لِما تراه هذه الشريحة مِن خطر هذه الجائزة وتأثيرها على الفكْر العالَمي المُسيَّس.

منذ إطلاق النسخة الأولى للجائزة، وكثيرُ شكٍّ واتِّهام يَعتري هذه الجائزة وأسباب ومعايير منْحِها، وبخاصة في مجال الآداب، ولاحقًا في مجالي الاقتِصاد والسلام اللذَين تمَّ إضافتهما للجائزة بعد وفاة نوبل نفسِه، وفى هذا السياق، وصَف الكاتب الأمريكي (إيرفينغ ووليس) جائزة نوبل بأنها "فضيحة عالمية تتحكَّم بها الرشوة والجنس والجاسوسيَّة السياسيَّة والمصالح الاقتصادية وفساد الضمير"، وعبَّر الأديب اليوناني (كزنتزاكيس) في مَعرِض حديثه عن الجائزة وربْطها بأسباب إطلاقها بقوله: "لم أفهَمْ كيف يُتاجِر رجل في الديناميت ثم يدعو للسلام ويُنشئ جائزةً عالميَّةً لمَن يُسهِمون أو يُساهِمون في خدمته؟!".


ونرى كذلك أن الأديب العالَمي (ليو تولستوي) عملاق الأدب الرُّوسي، صاحب: "الحرب والسلم وآنا كارنينا" قد حُرم هذه الجائزة، رغم قامته الأدبية السامقة التي تجعله أعظم الروائيين على الإطلاق في نظر الكثيرين!! ومثله مُواطِنه الأديب (أنطون تشيخوف) الذي يُعدُّ أفضل كاتب قصص قصيرة عبر التاريخ، فقط نظرًا للعداء التاريخي بين السويد وروسيا؛ حيث عبر تولستوي عن موقفِه الرافض لهذه الجائزة مِن خلال رأيه: "إن النقد الأدبي المُجامِل مثله مثل الجوائز والمكافآت الكبيرة؛ تؤدِّي إلى فساد الخلُق الفنيِّ والأدبيِّ للمُبدع، وابتِذالِه".


واستنادًا إلى الشُّكوك والانحياز السياسي الصريح في كثير من الأحيان لهذه الجائزة، فقد أقدم الكثير مِن المُبدِعين العالميِّين على رفضها، وذلك كموقف مبدئيٍّ تجاه تلك الشكوك التي تعتري معايير المنْح لهذه الجائزة، وكذلك تجاه الأهداف السياسيَّة التي يرَونها تتخفى وراء دوافع المنْح غير الحياديِّ لبعض الفائزين بها، والذي يجعل مِن هذه الجائزة رِشًا عالميَّة تُمنَح لتمرير مواقف سياسيَّة وفكرية خاصة بفئة من البشر، وهو ما لا يقبله أي صاحب فكْر حرٍّ مُبدِع.

فبالإضافة إلى العملاق (برنارد شو) الذي صدَّرنا الحديث بمقولته في هذه الجائزة، رفَض الشاعر الروسي (بوريس باسترناك) مؤلف رواية "الدكتور زيفاجو" جائزة نوبل عام 1958م، والذي مُنِح الجائزة رغم استحقاقه لها برأي البعض فقط بناءً على مواقفِه المُعاديَة للشيوعيَّة في الاتحاد السوفيتي، الذي منَع طبْع روايته ولاحَقه، وقد رفَض هذه الجائزة؛ لأنه رأى أن نوبل مُجرِم في حق البشرية باختراعه للديناميت، ومثله فعَل الأب الروحي للوجوديَّة الفيلسوف والأديب الفرنسي (جان بول سارتر)؛ حيث مُنِح جائزة نوبل عام 1964م فرفَضها وتمرَّد على فكرتها، مُعلِّلاً ذلك بقوله: "إن حُكْم الآخَرين علينا ما هو إلا مُحاوَلة تحويلنا إلى موضوع وتَشييئنا، بدلاً من النظر إلينا كذوات إنسانية".


ولكن ورغم قبوله الجائزة إلا أن "غابرييل غارسيا ماركيز" الأديب اللاتيني العظيم صاحب رائعة "مائة عام مِن العزلة" والذي مُنح جائزة نوبل عام 1982م قال: "سامِحوني إذا قلت: إنني أخجَل مِن ارتباط اسمي بجائزة نوبل، وإنه لمِن عجائب الدنيا حقًّا أن يَنال شخص مثل بيغن جائزة نوبل في السلام تكريمًا لسياستِه الإجراميَّة التي تطوَّرت في الواقع كثيرًا خلال السنوات الماضيَة".


إن الحيادية المزيَّفة، أو لنقل: الضبابيَّة التي قد تبدو لنا مِن خلال منْح جائزة نوبل للآداب للكتَّاب مُناهِضي الشيوعيَّة والوجوديِّين أمثال (بيرتراند راسل عام 1950م، البير كامو عام 1957م، باسترناك عام 1958م، الكسندر سولزنتسين عام 1970م) ومنْحِها كذلك ليساريِّين أمثال: الكاتب الأمريكيِّ أرنست همنغواي 1954م، الروائي السوفييتِّي ميخائيل شولوخوف عام 1965م، الشاعر الأمريكي اللاتيني - مِن تشيلي - بابلو نيرودا عام 1971م)، ثم ختامها هذا العام 2012م بمَنحِها للروائي الصينيِّ الشيُوعي (مو يان)، ما هو إلا انعكاس عميق لحرَكة السيطرة والنفوذ في السياسة العالميَّة وبخاصة الأورو- أمريكيَّة المُتغيِّرة تحت وطأة النفوذ والقوة الاقتصاديَّة والعسكرية للشيوعية السوفيتيَّة سابقًا والصينيَّة حاليًا، وتَبدُّل ظروف ومعطيات اللعبة السياسيَّة، والتي تتلاعَب في هذه الجائزة والقائمين عليها مِن جهة، وإلى المسار الثقافي المُسيَّس مِن جِهة أخرى، والذي مِن أهمِّ صفاته - إن أريد له تحقيق أهدافه - الحفاظ على الحدِّ الأدنى (الذي عليه علامة استِفهام؟) للمستوى الإبداعي لدى الفائزين بهذه الجائزة للحفاظ على نوع مِن المصداقيَّة والمهَنيَّة - ولو الوهمية - حتى يَكون لها الأثر الثقافي اللازم للتوجيه الإستراتيجيِّ المطلوب للسياسَة، ولمثْل هذه الأسباب أيضًا كانت تُحجَب هذه الجائزة في بعض السنوات.

ولعلنا نجد في منْح نوبل للآداب عام 2006م للكاتب التركي (أورهان بوموق)، الذي أثارَت الأتراك تصريحاتُه المُستفزَّة بشأن المجازِر التي ارتُكبت بحق الأرمن والأكراد - ما يتَّفق تمامًا مع التوجُّه الغربي والصِّهيَونيِّ للتركيز على شؤون الأقليات في إطار سياسة العَولمَة ومشروع التفكيك، وإعادة تشكيل الخارطة السياسية العالمية، مِن خلال الشكل المنمَّق الجديد لسياسة "فرِّق تَسُدْ" الاستعمارية المتمثِّل في نظريَّة "صِدام الحضارات"، وهو ما أكَّده منْح الجائزة أيضًا عام 2009م للكاتِبة الألمانية مِن أصل روماني (هيرتا ميولر)، وهي كاتبة غير معروفة إلا لقلَّة قليلة حتى ضمْن ألمانيا، لكنها تَنتمي للأقلية الألمانيَّة في رومانيا، وتُدافِع عن حقوق الأقلية الألمانية في رومانيا، وهي ليست مُبدِعة معروفة، ولا صاحبة مدرَسة أدبية أو شِعرية جديدة؛ لذا لا بدَّ مِن البحث لا في الأدب بل في السياسة عن سبب اختيارها.

كما يُلاحَظ ارتفاع نِسَب اليهود بقوة بين الحائزين على جائزة نوبل بكافَّة فروعها، ومنهم على سبيل المثال فقط الكاتب المجَري (أمري كيرتيز) الذي نال "نوبل للآداب" عام 2002م لكتاباته فقط عن المحرَقة اليهودية، أما المسلمون الذين يُرشَّحون للجائزة أو يَنالونها، فهم قلَّة قليلة جدًّا، وحيث تجد أسماءهم، تُلاحِظ أنهم عامَّة في حالة صدام مع مجتمعاتهم في مَفاصِل رئيسة؛ مثل قضية التطبيع مع إسرائيل التي أيَّدها (نجيب محفوظ) الفائز بنوبل للآداب عام 1988م، وكذلك مثل الكاتب الهِندي (سلمان رشدي) واضع كتاب "الآيات الشيطانية" الذي هاجَم فيه الرسول محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وقد رُشِّح للجائزة ولم يَنلْها.


كما أن منْح الروائي الصيني (مو يان) جائزه نوبل للآداب مؤخَّرًا في أكتوبر هذا العام 2012م، أثار عاصِفةً مِن الانتِقادات كان أقواها مِن مُفكِّري وكتَّاب دعاة الديمقراطيَّة الصينيِّين؛ حيث أخذ عليه علاقته بالحزب الشُّيوعي الذي يُظنُّ بأنه عضو فيه، واقتباسُه وإشادته بالخِطاب الشهير للزعيم (ماو تسي تونغ) الذي ألقاه عام 1942م حول الأدب والفنِّ وكان أساسًا لعمليات تطهير وإعدام، وحَمْلة من الحزب الشيوعي وضعَتْ فنانينَ وكتَّابًا تحت الوصاية، الأمر الذي تُناقِضه أهداف الجائزة في السلام والحرية، هذا الموقِف استثمرته الصين ورحَّبت بحصول مواطِنها (مو يان) على الجائزة، وعبَّرت عنه بأنه دليل اتساع نفوذ الصين وتفوِّقها، في حين عندما مُنِح المُنشقُّ الصيني (لياو تشياوبو) جائزة نوبل للسلام عام 2010م، والذي تَلفُّ منحَه الجائزة أيضًا شكوك حول التدخُّل الأورو - الأمريكي للضغط على الصين مِن خلال ملفِّ حقوق الإنسان في ظلِّ لعبة تَنازُع المصالح والنفوذ بين الجانبَين؛ حيث إنه لا يُقارَن مهما كان نِضاله السِّلمي بأحد أبرَز رموز وزعماء دُعاة النِّضال السلمي واللا عنف، أمثال (المهاتما غانْدي) الذي رُشِّح للجائزة مرارًا ولم يَنلْها؛ طبعًا لمُعارَضته للاستعمار البريطاني حينَها، لنرى الصين عندئذ تتَّهم الجائزة وحكامها في عام 2010م حين مُنحتْ لمواطِنها الآخَر (تشياويو) واصفةً أعضاء لجنتِها بالمُهرِّجين، وهو ما لا يمكن قراءته إلا قراءة سياسيَّة بعيدة كل البُعد عن الثقافة والحياد في ضوء التمدُّد الصيني وازدِياد النفوذ الذي عبَّرت عنه الصين ذاتُها.

ويتعزَّز هذا التحيُّز السياسي في الجائزة مِن خلال "نوبل للسلام" أكثر منه في "نوبل للآداب"؛ خاصة أن "نوبل للآداب" تُفيد موضوعيًّا في تعزيز توجُّهات الثقافة في مرحلة تاريخية معيَّنة لخِدمة أهداف إستراتيجيَّة سياسية محدَّدة، في حين أن "نوبل للسلام" هي مُكافئة لمواقف سياسية تمَّت وانتهَت غالبًا، لذا تكون نتائجها أكثر جرأة إن لم نقلْ: وقاحَة.


ولعلَّه في جدليَّة معايير منْح هذه الجائزة "نوبل للسلام" لبعض الأسماء مؤشِّرات ودلائل لطبيعة التوجُّه السياسي لمانِحيها، سواء فيما ذَكرْناه آنِفًا أو في بعض الأسماء والشخصيات الأخرى، والتي منها على سبيل الذِّكر لا الحصر: الأمريكي المخضرم مهندس السياسة الأمريكيَّة المعاصِرة (هنري كيسينجر) عام 1973م وما يرتبط به اسمه مِن جرائم سواء مِن خلال دعمه للصِّهيَونيَّة أم لما قامتْ به الولايات المتَّحدة في فيتنام وسواها مِن حروب، و(أنور السادات) و(مناحيم بيغن ذي التاريخ الحافِل بالمجازِر والجرائم الإسرائيلية) عام 1978م على أثر توقيع مُعاهَدة كامب ديفيد للتطبيع بين مصر وإسرائيل، ومؤسِّس حركة "تضامُن" البولندية المناهِضة للسوفيِيت (ليخ فاليسا) عام 1983م، والكاهن الأكبَر لديانة "المحرَقة اليهوديَّة" الحائز على جائزة "حارس صِهيَون" (أيليا فيزل) عام 1986م، والمُنشقُّ الصيني (الدايلي لاما) عام 1989م، ومُقوِّض وهادِم الاتحاد السوفييتِّي (ميخائيل غورباتشوف) عام 1990م، ومُوقِّعو اتفاقية أوسلو (ياسر عرفات) و(شمعون بيريز وإسحق رابين أصحاب أسوء تاريخ إجرامي في مجازِر إسرائيل) عام 1994م، و(كوفي عنان) عام 2001م الذي أدَّى تسلُّمه لملفات رواندا والبوسة والهرسك إلى حدوث أفظَع مجازِر القتل والتطهير العرقيِّ في التاريخ الحديث راح ضحيَّتها مئات الآلاف مِن البشر، وكذلك خلال نيابته وترأسِّه للأمم المتحدة حدَثت أسوء الحروب في منطقة الشرق الأوسط (حرب الخليج الثانية والثالثة وحرب أفغانستان)، والمُعارِِضة الإيرانية (شيرين عبادي) عام 2003م، ورئيس هيئة الطاقة النووية الدولية (محمد البرادعي) عام 2005م إبَّان تحقيقِه في الملفِّ النوويِّ العراقي والإيراني، و رئيس الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة (باراك أوباما) عام 2009م بعد استلامه منصبه الرئاسي مُباشَرة وقبل أن يُنجِز شيئًا "بناءً على نواياه الحسَنة" بحسب ما وصَل إليه أعضاء لجنة الجائزة، وليس أثر تراجُعِه أمام اللوبي اليهوديِّ حول مطلبه بتجميد الاستيطان في الضفَّة الغربية بالكامل كما يرى آخَرون، وتلميعًا لصورة أمريكا بدعمِها للتحرُّر والعدالة إثر فظائعها في أفغانستان والعراق وتدهْوُر صورتها وبخاصة في الشرق والعالم الإسلامي.


ولربما كانت (توكُّل كَرْمان) الناشطة اليمنية التي حازتْ على جائزة نوبل للسلام عام 2011م حالة استثنائية ظاهريًّا تحتاجُها الجائزة بين الفَينة والفينة للإيهام بحياديَّتها وموضوعيَّتها ضد الجنايات الكبيرة والعديدة التي تَجنيها في هذا المجال، بل لهذه الفتاة أقوال شائنة عن الحجاب وفرضيته، حتى إن والدها استنكر منها هذا الكلام واستنكر حصولها على الجائزة لكنها حقيقة في إطار التسْيِس العلَني لهذه الجائزة في مُحاوَلة لاستيعاب تبعات الربيع العربي الذي اجتاح المنطقة وأبعادِه الإقليمية والدولية، وأخيرًا وليس آخِرًا، تُكلِّل جائزة نوبل للسلام تخبُّطها بمنْح الجائزة لعام 2012م إلى (مجلس الاتحاد الأوربي في بروكسل)، كإحدى سياسات الدعْم لهذا الاتحاد الذي راح يَتداعى تحت وطأة الانهيارات الاقتصادية المُتلاحِقة للدول أعضائه مُهدِّدة إياه بالتفكُّك والانهيار، وهو الأمر الذي سيكون له تداعيات وانعِكاسات عالميَّة خطيرة اقتصادية وسياسيَّة، الاتحاد الأوربي هذا الذي أثبَت فشله وعَجزه خلال عام 2012م، بالذاتعن مدِّ يد العَون للشعب السوريِّ الذي يَتعرَّض لأبشع عمليات القتل والذبح العلَنيِّ مِن قِبَل نظامه المستبدِّ طيلة عام ونصْف حتى اليوم، العجز حتى عن القدرة على اتِّخاذ أي خُطوة عملية حقيقيَّة توقف المجازِر وانتِهاكات حقوق الإنسان التي تتمُّ كل يوم في سوريا مُتعلِّلاً بمواقف بعض الدول الكُبرى؛ كروسيا والصين، في حين أنه لما أراد التدخُّل وإنهاء الحرب في دول البلقان لم تمنعْه وتمنَع أمريكا روسيا بمواقِفها المسانِدة للصرب، اللهم إلا إذا اعتبَرنا بعض العُقوبات الاقتصادية؛ (كمنْع تصدير المشروبات الكحوليَّة والكافيار، ومنْع السفر عن بعض المسؤولين السوريِّين) إنجازًا على صعيد الدعم الإنسانيِّ للشعب الذي يُقتَل ويُذبَح على مرأى العالَم المنادي بالحرية وحقوق الإنسان ليلَ نهار!!


وقد يكون مِن الصعوبة بمكان في مقامنا هذا الإحاطة بكل جوانب التشكيك والاتِّهام التي تلفُّ قرارات منْح هذه الجائزة، إلا أنه مِن ألطفِ ما قيل في هذا الصدَد، ما صوَّرته الكاتبة البريطانية (فرانسيس سوندرز) في كِتابها "مَن الذي دفع للزمَّار؟ الحرب البارِدة الثقافية"، في وصفها لهذه الظاهرة؛ حيث أطلقَت لقَب الزمَّار الذي استَعرْناه عُنوانًا لحديثنا هذا على اللاعِبين الأساسيِّين في السياسة الثقافيَّة العالميَّة مِن خلال الجبهة الثقافية الليبرالية والرأسمالية العريضة، ومعها مَن استقطَبت مِن راديكاليِّين سابقين، ومثقَّفين يَساريِّين مِن الذين تحطَّم إيمانهم بالماركسية والشيوعية بعد انهيارِها، ومؤسَّسات وهمية، وتمويل سرِّيٍّ ضخْم، والتي أُنشئت وحشدتْ في معركة ضارية بدعوى حرية التعبير وتبنِّيها كحرب باردة ثقافية مِن أجْل الاستيلاء على عقول البشر؛ حيث قامتْ مِن خلال هذا التحشيد وحَمْلة الإقناع الهائلة في حرب دِعاية تُخطِّط لها وتُديرها "منظمة الحرية الثقافية"، والتي هي بمثابة وزارة غير رسميَّة للثقافة الأمريكية؛ لتكون هي أو أدواتها "الزمَّار" الذى يُدفَع له ثمَن ما يَطلُبه مِن ألحان، فهل شاركت جائزة نوبل في عزف تلك الألحان لتكون هي الزمَّار بالوكالة لها أو لغيرها؟

ليست هناك تعليقات