العنكبوت .......بقلم بلقاسم الشايب
آخر عهد لي بالحياة حفلة أقامها واحد من الأصدقاء، أكرمنا فيها إلى حدّ التخمة، وأوّل ما استيقظت وجدت نفسي مع الموتى، فحمدت الله على أني لم أكن ضحية إرهاب.كميّت جديد له معرفة سابقة بإجراءات البعث والنشور كان لابد عليّ أن أنتظر دوري في آخر عملية حسابية ستفضي بي في النهاية، إما إلى الجنة وإما إلى النار. هؤلاء العائدون ممن حوسبوا واتضح مصيرهم تبدو من بينهم أسماء معروفة لها وزنها في الحياة الدنيا. وكلهم يسيرو ن نحو مستقرّهم..وأنا أنظر بدت لي أشياء غريبة.. فمثلاُ رأيت هتلر.. فرعون وهولاكو بلباس رياضي، وستالين يحمل لهم أغراضهم... فسجلت في مخي أول استنتاج: الأكيد أن من معهم على شاكلتهم.من جهة أخرى ومن وراء السياج تبدّى ضحاياهم ممن كانوا حطباُ للحروب، أو ضحايا للإرهاب..وربما معهم من أعدموا خطأ..انطباع أولي يصنف الناس إلى ظالمين ومظلومين..الأغرب أني رأيت جحا ودونكيشوت وشهرزاد. حضور هؤلاء وغياب أولئك الذين يملأ ذكرهم حياتنا كنوبل وغاندي وما نديلا أوضح لي أن المؤرخين أخلطوا في كتبهم بين الصالح والطالح والحقيقة والخيال.. شيء آخر لفت انتباهي هو أننا لا نخضع لقانون الجاذبية وهو ما جعلني أتذكر نيوتن وكثيراُ ممن اكتشفوا أسرارا عملية في الحياة.نسيت نفسي وأنا أتأمل وأتعجّب حتى علمت أن اسمي مدرج في قائمة الحشد الذين تساوت حسناتهم مع سيئاتهم..واتضح أن الغلبة لم تُكتب لشياطيني ولا لملائكتي..وأني في وضع استثنائي.تماما مثلما كانت حياتي بلا موطن.. بلا زمرة..وبلا انحياز.
سيأتي تساوت مع حسناتي..هذا ما عرفت.لا غرابة في وجود السيئات، فحياتي لم تكن تتحرك بضابط يستحق الذكر والأجر،ولا كنت في موقع واضح يحبني الأوزار.. لم أدع كذلك أن أيام عمري أضافت لي أشياء حسنة . فما مصدر الحسنات؟
أتكون حصاد أفتك ممن كانوا يغتابونني أو يحقدون عليّ؟
أأكون فاعل خير مثلا ولم انتبه لذلك ؟ لم لا أسال:
-أيها الملاك . أيها الملاك.. ما مصيري؟
-أنت.. أنت أنت .لقد تقرر إعادتك للحياة. ستبعث من جديد .. ولك الاختيار أن تحيا حماراً أو بقرة أو عنكبوتاً .
سيئاتي تساوت مع حسناتي.. الحياة من جديد ..حمار أو بقرة أوعنكبوت..ربما علي أن اختار أي الحيوانات أجدى لنفسها والحياة .
إذا اخترت الحمار.. أي نوع من الحمير ،، أنزل إلى الحياة بلا إحساس . بلا تفكير .. فالحمار أتعس المخلوقات، ومن يعصمني من البردعة والأشغال الشاقة في السلم والحرب،،،لا قدرةلي أن أتحمّل مثل حمار جدي الهرم ..لا لا .. لا أريد أن أّبعث حماراً.. الحمير ليس لهم محمية كالتماسيح ..لا يثيرون شفقة الإنسان .. لم تشملهم يده بجزء من الصناعة والتطور، كالكلاب التي تأكل المعلبات وتذهب إلى الحلاق وترث الأموال ..وقريبا سينشئون لها دولة.. ربما خير لي أن أبعث بقرة تنفع وتستنفع ..
بقرة..؟ ماذا قلت ؟ هل قلت بقرة..؟ آوّاه البقر في هذه الأيام في وضع لا يحسد عليه .لم يعد الناس يرغبون في شرائهم. خصوصا وأنّ لي قصصا دنيوية مع الحمى والجنون.
يا حفيظ بقرة ..كيف نسيت أنها أنثى..كل شيء أتحمله إلا أن يطاردني ثور أو يحملق في جزار .
لا .. لا.. سأختار عنكبوتاً ولو كان حشرة.. ثم ما به العنكبوت .. أليس أجدى للحياة .. أليس قائد فصيلة بأكملها.. .لكنّ معلوماتي عنه قليلة..سأسل هذا المار:
- من فضلك .. ماذا اخترت أنتَ ؟
- اخترت بقرة.
- مبروك عليك..أنصحك باختيار الهند موطناً.
- وأنت…؟
- اخترت عنكبوتاً فهل لديك معلومات عنه …؟معلومات كاللغة العنكبوتية مثلاً، ونوع الأكل المفضل وكيفية إنتاج السموم ..بناء البيوت الواهنة أيضا.
- أنت إذن تحن إلى إنسان، أم تريد أن يعاد لك الحساب....؟؟
التعليقات على الموضوع