'cookieOptions = {...};' وجهُ النِّسيانِ الآخَر........بقلم نسيبة عطاء الله - بيت الإبداع " أثار العابرين للأدب والثقافة" وجهُ النِّسيانِ الآخَر........بقلم نسيبة عطاء الله - بيت الإبداع " أثار العابرين للأدب والثقافة"

كتاب


وجهُ النِّسيانِ الآخَر........بقلم نسيبة عطاء الله

noseiba

لن أتحَجَّجَ بالصُّدَف, هذه المرة لم تقُدكَ إليَّ مُصادفَة, لم يسقُط على وجهي "دبدوبكَ" الأحمر وأنا أفتحُ خِزانتي فصُفِعتْ, لم أتعثَّر برسالةٍ منكَ حذفتُها, بملف النسخ الاحتياطي اللعين فصُعِقتْ, ولم تحضُرني في المنام فشهَقتْ.. هذه المرة أتيتَ مع اللاشيء, في فراغِ الأشياء حولي, اشتبهَ عليَّ العدمُ وشعورٌ انكسرَ شعاعُهُ في صمتي, فتكاثرَ الضوءُ بالمنطقةِ التي أحتجِزُكَ فيها, فتعرَّت قُضبانُكَ الصدئة..
نسجتُ اسمكَ من انزلاقةِ الشمس على أشيائي الجميلة, التي اقتنيتُها لأفتِنَ بها رجُلا غيرَك, وخطَرَ على بالي أن أفتَحَ إيمايلي الغابر في مقبرةِ النسيانِ المنسية, وكما تعلم العالَمُ ضيِّقٌ جِدا والرياحُ التي تزورُ وجهي الآن من نافذة غرفتي قد عبرَت وجهكَ كما عبرَتْ جميعَ مقابرِ البلاد والأجساد بما فيها "خاصَّتُك"..
سحَبتُ من مُسوَّدَتي الوحيدة التي عنوانها "بلا موضوع" كلمةَ مرور الصفحةِ التي كانَتْ لنا فقط, أقصِدُ بيتَنا الأزرق ذاكَ الذي يتكون من جدارين.. أضحك على نفسي
يا لسُخرية الأيام, يا لَفقرِنا الذي لا أدري كيف كان يبدو لنا جميلا! كنا نعتقدُ أن جدارين كفيلين بأن يجمعانا للأبد, حتى في مخيال عاشقين من عصور الكهفِ كان سيبدو هذا مضحِكا, أنا لم أرَ كهفا من قبل لكني أتصورُهُ يحتوي سقفا على الأقَل.. بيتنا ذاك كان يشبه قبرا بشاهدين, أو طلَلا تساقطَتْ أساساتُه, ما كان لأشيائي الغالية والبراقة هذه أن تبدو كالأزهارِ وسطَ سورين عاريين, لكن في كل الأحوالِ حبُّنا نبتَ هناك, في العراء, في نتوءِ جدارين, ودوما النهاياتُ أسوأ, لهذا ماتَ حبُّنا في الأثير.. هل تتذكر كيف؟
كانَ عليَّ أن أُنهِيَك بتلك الطريقة, ولم يكن ثمةَ غيرُها أقابِلُ بها قلبكَ الصّوان, والصوَّانُ على قسوتهِ النارُ وحدَها قادرةٌ عليه, لم تكنُ ثمة جدوى من كسرِك, ولو بذلْتُ كلَّ قوَّتي لذلك..
ماذا توَقّعتَني أقولُ لكَ, كيف ظننتَ بعد أفاعيلكَ بي أقابِلُك؟ باللهفة والشوق والأحضان؟
قبلَ اتِّصالِكَ ذاك:
بكيتُ كالرّائي الموتَ قادِماً إليه وهو في بدلتِهِ يُزَفُّ إلى الحياة, غرستُ أصابعي في الأرضِ أقتلِعُ منها خُطواتِك, ضربتُها بكفَّيَ حتى صارَتا موقِدًا أنساني لمساتِك, أوقَدتُ لمأساتي كلَّ الحرائق, ورشفتُها نارا نارا, شُعلةً شُعلة, حتى تشوَّه داخلي, وحين بردَ الجمرُ وانطفأَ شعرتُ بماردٍ ألبسَني دِرعا بارِدة.
لم تكن غايتي الحربُ ولا الانتقام, ولا سعيتُ إليكَ لأنزِفَ فيكَ قوتي كما ذرفتُ لكَ ضَعفي, بعدَ غيابي عن رحمتي بنفسي أدركتُ أنَّكَ لا تستحق سوى جولةً واحدة, أغدو أنا المنتصرةَ فيها, "في الحُبِّ كما في الحرب لا بُدَّ من لقاءٍ أخير".. وكم كان سهلًا وداعُك!
كلُّ ما مررتُ بهِ أسهَمَ في اقتلاعِك, شيئا فشيئا ليس دفعةً واحدة, تخيل خروجَ السيفِ من جسدٍ اخترَقَهُ مُستديرا بتؤدَة.. إنَّها قمة العذاب, منتهى الوحشية, ومن يخرجُ من ذلك حيًّا لن يقتلهُ بعد ذلك حتى وقوع السماء.. لذلك حينَ أيقنتُ أنَّكَ الخاسِرُ الوحيدُ اتّكأتُ على جداري وأفردتُ لصدري بردَ الأنسام, ورحابةَ الأنفاس.. وقابلتُكَ جميلةً كما لم ترَني من قبل, عبرَ الأثير يا حبيبي, عبرَ الأثير فصوتي كثيرٌ عليك, مع ذلك قررتُ أنه آخر ما أزرعهُ فيك وأهبك إياه.. وعلى قدْرِ أهلِ الحُبِّ يا حبيبي تأتي الوهائب!
وضعتُ شريحتَنا تِلكَ في هاتفي المتكائلِ من إخفائه في المناطقِ الرطبة بجسَدي, لقصَّتِنا المخفية تلكَ تفاصيلٌ تشبهها, "هاتِفٌ غبيٌّ وجيبٌ في كلِّ شيءٍ أرتديه".. ظلامُ الأمكنة يا حبيبي كان سيِّدَ كلِّ اللقاءات, فكيف تريدُ لوداعِنا أن يعبُرَه الضوء؟.. في غرفةٍ دامسة تحسستُ حاسَّتي السادسَة وحواسي كلَّها لأضعَ الشريحة الصغيرة في مكانها الصحيح, انزلَقَت من تلقائها في موقِعها للمرة الأخيرة كما لو أنَّها كانت تنتظر مثلي تلك اللحظة.. بقيتُ أنظر إلى الشاشةِ بعينينِ مشرَّعتين وسعَهُما أنتظر التقاءَ الكَّفِّ بالكَفِّ, النّوكيا اللعين, ألم يكن جديرا بمخترعه أن يضع أُذنين متعانقين أو شفاها تهمس في أذن؟ هذه صورة أقرب للواقع, لكنَّهم يريدُوننا أن نعيش في الأحلام...
بسم الله الرحمن الرحيم
"يجيبلك ضربة" قلتُ ذلك دون أن أستغفِر ووددتُ من كلِّ قلبي أن تكون ساعةَ استجابة, اتَّصَلتَ في اللحظةِ التي اشتغل فيها هاتفي, وكانَّكَ كنتَ معتكِفا تتصل منذ مدة, لم أعُد أُصدِّق أنّنا يمكن أن نتخاطرَ, أو أنَّ قلبكَ عندَ قلبي, دع قلبكَ عندك كما سأقفِلُ على قلبي في صدري..
شعرتُ بقشعريرة دبَّت بمفاصلي للحظات, أردفَتها نشوةُ إلحاحِكَ على الرنين, لقد اعتدتَ أن أجيبكَ في الرنةِ الثالثة, لأنَّ رنَّةً واحِدةً تعني "هل يمكنني الاتصال؟",
والرنة الثانية تعني "سأتصل", هذه المرة تركتُ لتلكَ النَّغمَةِ تُدوَّنُ في حافظةِ ذاكرتي التي سأُسْكِنُها معكَ في الزنزانة التي خصصتُها لك, حينَ شعرتُ أنَّها تأرَّخَت بنفسي تنهَّدتُ لآخرِ مرَّةٍ وضغطتُ زِرَّ الإجابة الأخضر, الذي لوَّنتُه بطلاءِ أظافر برتقالي فأصبح لونه غريبا.
كنتَ نادِما, كما كلُّ الرجالِ حين ينتهون من ترتيب حساباتهم فيجدونَ أنَّهم في فوضى الوقتِ أهملوا دقَّةَ الساعةِ التي على نغماتِها ترحل سندريلا وقد لا تعود, يركضون متعلقين بما تبقى منها في الطريق, وأنا لم أترك لكَ شيئا سوى صورة, صورةً واحِدة لمشهدِ التقائنا صدفةً في شارعِ "المدينة الجديدة" بوهران, لم تتوقَّع أنّي بذاكَ البهاءِ بعدك, بينما أنتَ بدوتَ أبعدَ بكثير من رجُلٍ سقطتُ عليه وأنا أقلبُّ أوراقَ حظِّيَ الرَّقمية!..
كنتُ في عبَثٍ قاتِل, أحاوِلُ الخروجَ من عشقٍ مَسخٍ دام ثمانِ سنوات, ولأنَّنا نشبِهُ العشقَ في حالتهِ التي يتلبَّسُنا بها, كنتُ أبدو مَسخا, كما الدُّنيا التي أراها,
لم أكُن أملِكُ سوى مرسَمًا بائدا رميتُ بقاياهُ في زاويَةٍ لا يصِلُ إليها نظري الشّاخِص, لم أكُن أملِكُ لا بيتًا, ولا جُدرانا, ولا أصدقاءَ يفكرون أكثر مما أُفكِرُ أنا بالعدَم..
كنتُ شبَحًا وسطَ الحياةِ الشبح وسطَ الجماداتِ الأشباحِ, كلّ الأشياء تدور وتتحرَّك في نفسِها, واقِفَة لا أسمعُ لها حِسًّا ولا أرى لها أثَرا.. كما روحي, كما قلبي
حتى في يومٍ ما قالَت لي أُختي جربي أن تفتحي حسابَ فيسبوك وتعرَّفي على شخصٍ آخر, "جرِّبي حظَّكِ"...
تفاءلتُ مقدمةً على ذلك, ظنّا منّي بأنَّ حظّي بخير, وأردتُ هذه المرةَ أن أعتليَ بطمَعي فلرُبَّما..!
طفقتُ أضيفُ كلَّ شخصٍ يحملُ صفةَ طَيَّار, لم يقبَل صداقتي إلا واحِد, ومن بين أصدقاءِ ذلكَ الواحد طلبَ صداقتي شابٌّ وسيم وهراني, ومن السلام, إلى الكلامِ وجدتُني أقعُ في الغَرام, وما ظننتُ وقوعي يكون بتلكَ السهولة فقد أقسمتُ على أَلاَّ أدخلَ العشقَ إلّا واقِفةً على قدمَيَّ بخطواتٍ ثابتة, لكنَّ الهوى في قانون الحب هو صاحب المشيئة, يشاءُ الهوى ولا نشاءُ نحن, وشاءَ الهوى أن التقينا..
وشاءَ الهوى فافترَقنا..
قُلتَ لي:
-دعينا نبدأ من جديد
إنها مزحةُ كلِّ يائس يرى الأملَ عودَة, لكن لا تُبنى القصور على أنقاض, ولا يوضَعُ الطَّعامُ في صحنٍ مكسور, كما أنَّ الحياةَ لا تُعاشُ بينَ جدارين, بل بين جدرانٍ أربعة بنافذة وباب, وسقفٍ واحد, نحن منذ البداية لم ندخُل العشقَ من بوابته الصحيحة, أجل كلُّ الطرق كانت تؤدي إليه, لكنَّ طريقا واحِدا كانَ يحمِلُ في امتدادهِ نَهجَ البَقاءْ.. انتهيتُ منكَ فـ:
هل سأحبكَ أيضا بعد؟
وإلى متى؟
وحتى أينَ يبلُغُني البُعدْ؟
إني أشعُرُ في عزِّ الصيفِ
أشعُرُ بالبردْ
غادِرْ عيوني لا أريدُكَ ضوءَها
واسحب عماكَ بناظري
يا لسعةَ الموتِ المُهين وغادري
قلبي ممراتٌ ضيقة,
قلبي مِحرقة
وصوتُكَ المَجْدولُ بخاطري
في جوفِ فكريَ مِطرقة
نسجتُ على كلامِكَ موسما
للجنانِ وبيوتَ وردْ
فقطعتَ بغيرِ حِلمٍ حبلَنا
وأضعتَ كنوزَنا
لمَّا هشَّمتَ الحُلمَ وبَوتَقَهْ
...
-"مْعَسَّكرِيَّة" سآتي لخطبتك
-إنتظر سأعود بعد قليل.. وقطعتُ الخطّ, نزعتُ غطاءَ الجهازِ وبطاريته دون أن أطفئه, ثمَّ اقتلعتُ الشريحة بحِقد, كسرتُها إلى نصفين ورميتُها مع أجزاءِ الهاتف في المرحاض.. تخلَّصتُ من كلِّ ذلك الظَّلام...
فلماذا الآنَ أحِنُّ لك؟, لماذا أشتاقُ لك؟ لماذا يقرُصُني قلبي بشدَّة وتُسَرِّبُ معِدَتي سوائلَها إلى حلقي؟
كيف نسيَ قلبي يومَ كنتُ أكتبُ لكَ الرسالة تلوَ الأخرى وأنتَ تقرأُها ولا ترُدَّ؟
حينَ كُنتَ تُعانِدُ صَبري وهواني أمامَ نفسي تاركا لي ضوءَكَ الأخضر مشَغّلا نكايةً بي, وبينما الجميعُ أحبابُكَ أنا وحدي الكائنُ المنبوذ الذي كنتُ أنشرُ لأجلهِ كلَّ ما قيلَ في الخرابِ والهَجرِ والفجيعَة, وأنتَ تقرأها جميعا دون أن تحسّ بي, دون أن تُلقيَ لها في سبيلِ العشرةِ والأيام, والليالي والسَّهر والأحاديث "إعجابا" صدقَةً في وجهِ الحُبِّ الجميل.. كذّبتَني أنا رفيقة القلب والخاطر والحزن والضحكات, وصدّقتَ في طرفَةِ عينٍ وسوسةَ شيطانٍ ومنافقٍ أفّاقٍ جاءُ يُعيدُني إلى العدمِ مرغمَةً بعدما خرجتُ منهُ مغرمَة..
اتَّحَدتَ وكلَّ الذين لن يوفوا لكَ مثلي, وخُنتَني مثلهم, لم تُصدِّق قلبي الذي باحَ لكَ بخفقاته حُبَّه, وآمَنتَ بمنْ جاءَكَ يحمِلُ موتي في صدره!..
فكيفَ بعدَ الهلاكِ أحِنّ لك, وأُفتِّشُ في جيوبِ الذاكرة عمَّا علِقَ فيها منك..
كيف نسيتُ موتي حينَ هاتفتُكَ أرجوكَ أن تكلِّمني وردَّت عليَّ إحدى عشيقاتك اللواتي استعرتهنَّ لتنساني, أردتَ مسحَ طهارتي بعُهرِ اللواتي يحمِلنَ أوساخَ غيركَ ليمسحنَهُ فيك, ولم يُغريكَ أنّي لم أكُن سأغدو لسواكَ لو لم تدفَعني لذلك بيديك!
كيفَ نسيتُ يومَ كنتُ غارقةً في عذاباتي أملأ منها رئتيَّ شهيقا وزفيرا, حتى جاءَني صوتُ أختي مروة تُناديني بإلحاح وقلق تعالي اركُضي "إجري إجري سلوى"
جريتُ وشيءٌ ما وقعَ منّي وقعَ في الطريق ودعستُ عليه, حينَ وقفتُ بجانبِها ورأيتُ ما رأتْهُ عرفتُ ما هو: لقد كانَ قلبي
قلبي الذي أنساهُ إيَّاكَ انشغالي بالغرَقِ في الحياةِ دونَك, تلَقّى منكَ سَهمًا اخترقَ درع قوَّتي, وما جادتْ بهِ تشوُّهاتي من حقدٍ اتجاهَك, رأى حُلمي واقِفًا في حُضنِ أخرى, ترتدي بياضَ الأمنياتِ التي جعلتَني أتنفسُّها أكثر من الهواء, وأنتَ تبتسِمُ لها تُطعِمُها بيدكَ من طبقي, تُناوِلُها من كأسي, تُقبِّلُها بشفتَيّ, وتقولُ لها حبيبتي, وتُناديها زوجتي, يبارِكُ لكَ الجميعُ وأنا واقفة في مكاني لا يهُزُّني شيء, وعينايَ تعطَّلَتا عن البكاء وعن وجهكَ ووجهها, إلّا عن قلبٍ أزرَق بينكما, لم تجِد أينَ ترسمُهُ إلّا على جِدار كنتَ تُلصِقُني بهِ حين تُقَبِّلُني, وتخترقُني بعيونكَ المتوحشَّة حُبًّا ورغبة..
لم أجسِر إلّا على الحُمَّى, الحُمَّى منفَذُ الجسَدِ إلى عذاب, كان جسدي محتاجا إلى أن يُطرَحَ الفِراش بعيدًا عن اللَّومِ والعِتاب, كنتُ محتاجةً إلى المزيدِ منها, وكلَّما ذهبَ المرضُ عنّي استدعيته بكأسِ ماءٍ مثلَّج واستلقيتُ تحتَ المُكيِّف.. لم تكن تهمُّ الفصول ولم أكن أعرفها أو ألقي لها بالا, كنتُ أرتدي كما يتّفِقُ مع مرضي, الكثير من الثياب في الصيف..
تقول لي مروة أنتِ تقتلين نفسَكِ, أنتِ نسيتِهِ هل نسيتِ؟
تُجيبُها دموعي: أجل نسيت, لكنّي لم أنسَ أحلامي معه.. أحلامي عنه, أحلامي به, كيف بهذه السُّرعةِ وهبها لأخرى؟
-أنتِ ابتعدتِ عنه, ويبدو أنَّ ابنَ خالتِهِ أوصلَ له رسالتَكِ الأخيرة, هو ابتعدَ عنكِ كما أردتِ..
-ليس كما أردتُ بل كما اقترفَتْ يداه.. يبدو أنه لم يبذل جهدا كبيرا في نسياني, ولم يضيِّع وقتَهُ في تجرُّعِ حبوب الصُّداعِ والاستماع إلى أغاني حسني ونَصرو والهواري دونفان.. هو علَّمني الاستماعَ إليها ثم راحَ وأقامَ عُرسا لا أظنُّ أنَّهُ رقصَ على أيِّ أغنيةٍ من أغاني هؤلاء وهو زاهٍ فيه..
أنا كنتُ سلواهُ كيف نسيَ ذلك؟ أم أنه تناساه؟ أم؟ تعالي قولي لي" كنتُ تسليتَه أليس كذلك؟
-كلُّ هذا حدث بسبب التلمساني "عبدو" "يْسْوّْدلَهْ السَّعْدْ, ضيَّعلَكْ حياتك, جايبها موراك"
رمتيُها بشيءٍ ما كان بجانبي أحسبهُ جهازَ تحكُّم وصرختُ في وجهِها "ما تزيديش تجَّبْديلي عليه.. الكلب, المْخْنْزْ" وانخرطتُ في بُكاءٍ مَريرٍ حتى تفقَّعَتْ أوداجي وارتخيتُ في ذهولٍ قادَني إلى نومٍ عميق..
صحيح "عبدو" كان أكبرَ حقيرٍ عرفتُهُ في حياتي, هو وصديقتي المقرَّبة "نوال" التي باعَتْني بألف دينار مقابِلَ إعطائه حسابي الفيسبوكي الجديد الخاص بي وبك..
لكنَّكَ يا "نذير" كنتَ أحقرَ منه حينَ صدَّقتَ أكاذيبه الفاسقة, ورأيتني العاهرة التي صورَّها لك؟.. كنتَ أحقر منه لأنكَّ أرخيتَ لهُ أذنيك لساعات كنتَ تتجاهلُ اتصالاتي أثناءَها وأجدُكَ مشغولا, كنتَ أحقرَ منه حين ابتعدتَ عني لأشهُرٍ عديدة دونَ أن تقولَ لي ما الذي حدَث, كنتَ أحقرَ منه لأني سمعتُ من الناسِ ما كان يجبُ أن أسمعَهُ منك,
كنتَ نذلا يا نذير لأنَّك كنتَ من أحببتُ بكلِّ جوارحي, ولم تمنحني غُفرانَ العدَمِ الذي كنتُ غارقةً فيه قبلَك, ولم أقصِد أن يكونَ ذلك ذنبي لكني كنتُ طفلة تعلَّقَـت بأوّلِ حُبٍّ في الطريق وفتحت له زهورَها, هل أخطأتُ أني عشتُ الماضي قبلكَ حتى أعرفَ أنّكَ مُستقبَلي؟ أنتَ لم تختلف عنه إذ شككتَ فِيّ, وأنا مُحاطَةٌ بكلِّ الذين آذوني في قلبي انتبذتُكَ اصطفائي, وهجرتُ إليكَ أحيطُ مشاعري بالقداسة, فماذا فعلتَ أنت؟ رميتَ شوككَ على قِبلَتي, ولم يكُن لي غيرُكَ قِبلةً..
فكيفَ يا نذير نسيتُ كلَّ ذلكَ ورحتُ أخونُ الفرحةَ التي تسلَّلَت إليَّ برفق أُديرُ لها ظهري نحوَك؟, حينَ أغلقتُ في وجهِها كلَّ الأبواب تسرَّبَتْ إليَّ لأنَّه لا يُعجِزُ الضَّوءَ أن يبلُغَكَ إذا أرادْ, فكيف أريد من دفنني في الظلام ناكرةً جميلَها؟, حينَ جاءَني الحُبُّ في ثوبِ الأمانِ تاقَت نفسي للخوف.. أنا لم أعُدْ أحبُّك أحببتُ غيرَك, من هو مستعِدٌّ ليقِفَ معي في وجهِ الدُنيا, ويؤمِن بي حين يُكذِّبُني العالَم, فلماذا يحِنُّ القلبُ اللعين إلى زنزانة, وفي ربوعِهِ يرتعُ الكونُ الفسيح؟
فتحتُ صفحَتي تلكَ, تلَمَّستُ جِدارَها البارد, وتجوَّلتُ في صوره المُعلَّقَة وقد أغشتها الغَرابة, تجاهلتُ إحساسا داخلي اعتدتُ أن أتفحَصّه حين فتحت صفحتك, مررتُ على كلِّ شيءٍ مرورَ عابرٍ غريب, لا يعرفُ عن تفاصيل الحكايةِ شيئا..
- هي مجردُ منشورات لا أكثر..
وهذا الذي اشتعل الآن, مجرَّدُ ضوءٍ لا أكثر..
حين همَمتُ بإغلاق الحساب, وصلتني رسالةٌ منك
كتبت لي فيها: إشتقتُ إليكِ.. دعينا نبقى أصدقاء
كتبتُ لكَ عبارةً واحدة -ومضيت إلى واقعي المُسَجَّى بالعِناق, بعيدا عن الأخيلة, وعدتُ بينَ أِشيائي الجميلةَ أحلمُ بارتدائها والتنعُّم بها مع رجُلٍ أنبل منك, قتلَ كلَّ أحلامي بكَ التي أهديتَها لأخرى, هكذا أنا سأهبُ كلَّما رغبتَه مني لآخَر- :
-"إذا فرَّقَتْنا الأيَّام, تجمعُنا الذِكرى"

ليست هناك تعليقات